تبقى طيور البطريق الصغيرة مع شركائها- أحيانًا - مدى الحياة. لكن وفي كلّ عام، ينفصل جزء من الأزواج. أبحاث جديدة تُظهر أنّه في السنوات الّتي يكون فيها معدّل "الطلاق" أعلى، فإنّ النجاح الإنجابيّ للمستعمرة بأكملها يكون أقلّ.

تكريمًا ليوم الفالنتاين، والّذي يتمّ الاحتفال به في العديد من الأماكن باعتباره عيدًا للحبّ، تعالوا بنا نلقي نظرة على الأزواج المُحِبّة من عالم الحيوان، وتحديدًا الطيور. أنواع عديدة من الطيور تكون في علاقة زوجيّة مستقرّة تستمرّ طوال حياتها. غالبًا ما ينفصل الزوجان في نهاية موسم التكاثر، عندما يخرج صغارهما من العشّ، لكنّهما يعودان ويلتقيان مرّةً أخرى في العام التالي، ويبنيان عشًّا معًا مرّة أخرى. إلا أنّه وفي بعض الأحيان، لا تكون حياة هؤلاء الأزواج ذوي الأجنحة مفروشة بالورود دائمًا. وكما هو الحال لدى البشر تمامًا، فإنّ العلاقة الزوجيّة للطيور- والّتي تبدو علاقة إخلاص ووفاء، قد تخفي خلفها المشاكل والشجارات.

قبل ثماني سنوات بالضبط، في يوم الفالنتاين سنة 2017، كُتِبت مقالة حول دراسات جينيّة كشفت عن ميول للخيانة لدى العديد من الطيور: في كثير من الأحيان، لم تكن الفراخ في العشّ من نسل الشريك "الرسميّ" للأم. نعم، تميل الطيور أيضًا إلى المغازلة والتزاوج مع ذكور آخرين.

هذه المشكلة هي ليست المشكلة الوحيدة الّتي قد تنشأ في الحياة الزوجيّة للطيور. كما الحال لدينا نحن البشر، فأيضًا في عالم الطيور لا تدوم جميع الزيجات إلى الأبد، وفي بعض الأحيان يقرّر الزوجان تفكيك العشّ. "طلاق" أزواج الطيور- أجل، هذا هو الاسم الرسميّ الّذي أطلقه الباحثون على ذلك- هو حالة يقوم فيها الذكر والأنثى ببناء عشّ معًا في سنة معيّنة، ولكن في موسم التكاثر التالي، على الرغم من أنّ كليهما يكونان على قيد الحياة، إلا أنّهما لا يعودان إلى بعضهما البعض، ويبحثان عن شريك جديد لبدء عائلة معه.
يؤدّي ارتفاع معدّل الطلاق إلى تقليل عدد الفراخ الصغيرة في المستعمرة. طيور بطريق صغيرة من مستعمرة جزيرة الفيل | تصوير: Phillip Island Nature Parks

يمكن أن يكون للطلاق أسباب عديدة. في بعض الأحيان يواجه الزوجان صعوبة في العثور على بعضهما البعض في بداية موسم التكاثر، أو أنّ أحدًا منهما يصل مبكّرًا إلى المنطقة الّتي يبنيان فيها العشّ، والآخر يصل متأخّرًا. في حالات أخرى، يقرّر الزوجان إنهاء علاقتهما بعد عدم قدرتهما على إنتاج ذريّة في الموسم السابق. حين يحدث هذا، يمكن للطلاق عندها أن يشكّل حلًّا جيّدًا: فقد يجد الزوجان شركاء آخرين أكثر ملاءمة ربّما لكلّ منهما، وبالتالي تزداد فرصهما في نقل جيناتهما إلى جيل تالٍ. لكن وعلى المدى القريب، فإنّ ارتفاع معدّل الطلاق يؤدّي إلى تقليل عدد الفراخ أو صغار الطيور في مستعمرة الطيور- وذلك وفقًا لدراسة جديدة فحصت أزواج البطاريق في أستراليا.

أصغر طائر بطريق

في جزيرة فيليب، وهي جزيرة صغيرة تقع في جنوب شرق أستراليا، يعيش حوالي ثلاثون ألف طائر بطريق صغير (Eudyptula minor)، وهو أصغر أنواع البطاريق. يتمّ إجراء العديد من الدراسات على هذه الطيور، ويتمّ وضع علامات إلكترونيّة عليها. تحوي المستعمرة كذلك مائة صندوق تعشيش، وقد قام باحثون من أستراليا بدراسة الأزواج الّتي تعشّش هناك لمدّة 13 موسم تكاثر. قاموا بفحص ما إذا كان البطاريق يختارون نفس الشركاء سنة بعد الأخرى، أو ما إذا كانوا يقومون بتبديل الشركاء؛ فحصوا كم عدد الأبناء الّذين يتمكّن الازواج من تربيتهم، وأيضًا كم قضوا من الوقت في رحلات الصيد في البحر. بالإضافة إلى ذلك، سجّل الباحثون أيضًا متغيّرات بيئيّة، مثل درجة الحرارة وكميّة  الأمطار.

إنّ طيور البطريق الصغيرة تُعتبر أحاديّة الزواج، لكن وكما لدى الطيور الأخرى أحاديّة الزواج، فإنّ العلاقات الزوجيّة لا تدوم جميعها إلى الأبد. يقول ريتشارد رينا (Reina)، الباحث الرئيس الّذي وقّع على الدراسة، في بيان للصحافة: "لقد وثّقنا 250 حالة طلاق من بين حوالي 1000 زوج أثناء الدراسة".

وكما هو الحال لدى الطيور الأخرى، فإنّ البطاريق تميل إلى الانفصال إذا لم تتمكّن من إنتاج ذريّة في المواسم السابقة. "في الأوقات الجيّدة، عادة ما يبقون مع شركائهم، على الرغم من وجود بعض الشقاوة الجانبيّة في كثير من الأحيان"، كما قال رينا. "ولكن بعد موسم تكاثر غير ناجح، يحاولون العثور على شريك جديد للموسم المقبل، من أجل زيادة فرص نجاح التكاثر".


في الأوقات الجيّدة، عادة ما يبقون مع شركائهم، على الرغم من وجود تصرفات شقيّة في كثير من الأحيان. عائلة من طيور البطريق الصغيرة تخرج من جحرها. | تصوير: JJ Harrison, CC BY-SA 3.0, via Wikimedia Commons

 

مزيدٌ من الطلاق، عدد أقلّ من الفراخ

أثناء الدراسة لم يكن توزيع الأزواج الـ 250 الّذين انفصلوا متساويًا في جميع مواسم التكاثر: كانت هناك سنوات كان فيها معدّل الطلاق أعلى، وسنوات انفصل فيها عدد أقلّ من الأزواج. توصّل الباحثون إلى أنّه وفي السنوات الّتي كان فيها معدّل الطلاق منخفضًا، وصل عددٌ أكبر من الفراخ إلى مرحلة البلوغ. كان هذا المتغيّر، أي عدد الأزواج الّتي انفصلت، مؤشّرًا أفضل لمدى نجاح التكاثر في المستعمرة، مقارنة بطول رحلات الصيد الّتي يقوم بها البطاريق، أو الظروف البيئيّة. على الرغم من أنّ العديد من أفراد البطاريق الّتي "تطلّقت" قد بدأت عائلة جديدة مع شريك آخر، إلا أنّها اضطرّت إلى استثمار وقت كبير في البحث عن شريك جديد والتّودّد إليه، واضطرّت كذلك أحيانًا إلى القتال مع المنافسين- ويبدو أنّ هذا قد أثّر في النجاح الإنجابيّ. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد ما يضمن عمل العلاقة الزوجيّة الجديدة بشكل أفضل من العلاقة السابقة. وقد أظهرت الدراسات الّتي أُجرِيت على الطيور البحريّة الأخرى، مثل طائر الأطيش الأستراليّ (Morus serrator) والأطيش أزرق القدمين (Sula nebouxii)، أنّ الأزواج الّتي بقيت معًا من السنوات السابقة كانت أكثر نجاحًا في تربية الذريّة من الأزواج الجديدة، ربّما لأنّها تعرف بعضها البعض من قبل. قد يكون هذا هو الحال أيضًا لدى البطاريق.

أندريا كياراديا (Chiaradia)، باحث آخر وقّع على الورقة البحثيّة، قال: "تُسلّط نتائجنا الضوء على مدى أهميّة مراعاة الديناميكيّات الاجتماعيّة، إلى جانب العوامل البيئيّة، عندما نقوم بتصميم استراتيجيّات للحفاظ على أنواع الطيور البحريّة المعرّضة للخطر".

يمكن لعوامل مختلفة أن تؤثّر في ميل الأزواج إلى الانفصال، من بينها، كما يتّضح من دراسة نُشرت قبل بضعة أشهر، تغيّر المناخ. توصّل باحثون إلى أنّ الظواهر الجويّة المتطرّفة، والّتي باتت شائعة بشكل متزايد أكثر فأكثر، تؤدّي إلى ارتفاع في معدّلات الطلاق بين الطيور أحاديّة الزواج. إذا تمكّنا من فهم العوامل المؤثّرة في هذه الظاهرة بشكل أفضل، لربّما نتمكّن من القيام بإجراءات تؤدّي إلى تقليل عدد الأزواج الّذين يتطلّقون، وبالتالي زيادة النجاح الإنجابيّ للبطاريق الصغيرة- ولطيور أخرى. إنّ وجود المزيد من الأزواج المحبّين، والّذين يعودون إلى بعضهم البعض عامًا بعد عام، يؤدّي إلى إنجاب المزيد من الفراخ وصغار البطاريق. 

 

0 تعليقات